آخر العناوين ..

سأكلَف بدفع عمر جديد لخيبة لم أحسب لها حساباً .. أو لنقل أني هربت من دفع الحساب مبكراً … في عودتي لتاريخ مر منذ سنة وعدة أشهر وحديث طويل بيننا .. وفنجان شاي لم يرتشف من ضحكات تلك الجلسة سوى القليل فقط ..حتى برد فجأة!
في العودة لرقم لن يمر في بالي لاحقاً بشكل عادي وأنا المرتبطة بالأرقام هوساً .. سيذكرني الأمر بكثير من التراكمات السيئة …تراكمات كنت أظنها اختلاق صدفة ما .. لا تأتِ الحياة بمثلها .. كنت أظنك شبح الحياة الوحيد … ثم اكتشفت أنك نسخة مكررة .. مكررة من كل الآخرين الذي كرهتهم .. هل تدري كم هو مؤذٍ التكرار؟!
لا يهم .. كنت أريد إخبارك بأنني لم أعد أصدق الكلمة .. الكلمة المقدسة عندي أكثر من أي شيء آخر .. لم تعد تهمني ولا ألقي لها بالاً .. حتى هي أصبحت مجبولة بالكذب! … هناك دائماً جراح في الروح لا تخطُ فينا إلا طريقاً جديداً لنمضي عنها نحو درب آخر .. ربما أكثر حلكة لكنه حتماً أكثر اتساعاً .. يجعل خياراتنا المحدودة حرسنا من كل وجع لاحق ويجعل خطواتنا غير المتوازنة سابقاً كاملة في هذا الوقت .. فننتشي بفرح الخلاص والتحرر ..والانتصار على تلك الحرب بقلب لا يحمل من الحب شيئاً ولا يريد منه شيئاً كذلك..
في سقطتي التي أحبها جداً وآمنت بها في وقت مضى أدركت أنه لا مكان للصدفة في حياتنا … لدرجة أنني أحصي التفاصيل وأضحك على المسافة التي خطت حداً مؤذياً بين عينيك مع كل أغنية رددتها لي ذات مساء .. وعيناي اللتان تعرفان كيف تحصيان تجاعيد ضحكتك بشكل متقن .. وجمّلتهما بفراق اللقاء بيننا جاعلة من الحروف آخر الدروب وأصعبها.      آمنت أن التعب الذي جعلني أدعو الله بكليتي في ليلة مباركة  … أن يرزقني خيراً  يريح قلبي ويعينني .. خيراً يحرسني ويحرسك! .. آمنت حينها رغم هلوستي  أن السماء لن تردني خائبة ..
يومها استجاب الله لي .. فنزعك من قلبي .. ونزع الموت منك ..
ثم تاهت بيننا طرقات كثيرة ومسافات جديدة .. وقلب آخر ربما ..

لا يهم إن كان الوقت الآن ثقيلاً ولا إن كنت أبحث عن منفذ لأهرب بذاكرتي من ضياع ما .. ولا بصدق انتصاري على كل ما حصل وبقائي كما كنت دوماً .. لا يهمني شيء ولا أحد .. لكن ربما كان الأمر محض أمنية كي يهمني أن لا يكون آخر فقد في حياتي على هذه الشاكلة .. أن لو أني لم أحمل قلبي لمرفأ بهذه العتمة وهو فيه ما يكفيه … “ربما” أقول لك!

في هذه المساحة الهادئة الوحيدة مجدداً .. حتى يختفي الضوء تماماً .. وحتى تكف السماء عن كل رسائلها مذكرة إياي بأني ذات يوم سميتك باسمها.. وبأن الجنة الموعودة التي ناديتني بها أصبحت جحيماً ..جحيماً لك وحدك وليس لي! … لأني أعرف كيف أتجاوزك .. و أعرف أن لا دموع ستسقط مني باسمك ..ولأني أدرك حجم الخيبة فأقسِّمها على انتصاري المبكر حتى تتلاشى .. وأن الشيء الوحيد الذي سأدافع عنه دوماً رغم كل شيء هو قلبي .. لا مقامرات خاسرة حتى يبكيها … ولا نهايات مؤذية .. كل ذلك خير .. كما سيكون في رحيلي كل خير أيضاً 🙂 …

#جنونيات_بنفسجية

بين الموت والوطن..

‏الموتُ الذي يشكل فارقاً أمام كل ما نشعر به، نرتب شعورنا صدفة، ونكتشف أن كل أحزاننا تقف خلفنا، وأن الموت المنهك هو الذي يقابلنا، نحن نصلي دائماً لأرواح الذين نحبهم حتى لا يمسهم موت ما، بينما يقول لنا الموت أنا هنا باسمكم ولأجلكم ..
قرأتُ منذ فترة كتاب “انقطاعات الموت” يتحدث عن بلاد تركها الموت وظن الناس فيها أنهم شعب الله المختار الذي سيخلد على هذه الأرض، كل الحكاية أن الأشخاص هناك باتوا يعيشون حلم السعادة بأن يبقى أحبابهم الناجون من الموت ليشاركوهم تفاصيل هذه الحياة بتمامها وجزئياتها كافة دون أن يدرك أحد منهم أن النهاية قد تكون لصالحنا أحياناً ولصالح من نحبهم حتى ..

فإلى متى تستطيع منع الموت عنهم؟!… في النهاية يصل بعضهم لحقيقة أن هذه الحياة أذية، حيث يقرر أحد الأجداد أنه يرغب بالموت ووضع ختام لحكايته وحفيده المريض، فتخرج به ابنتيه وصهره إلى الحدود حيث يتمكن ملك الموت من إتمام مهمته، في قناعة الجد أن حياته متعبة وستكون عبئًا عليهم لأنها منتهية في الحقيقة، لاحقاً تجد أن كثيراً من الناس اقتنع تماماً بفكرة وضع النهاية المنطقية لحياة من يُقعده المرض أو الهرَم، ثم تبوء محاولات الحكومة بوقف هذا الجنون البشري بالفشل. هنا تعرف أن أنانيتنا اتجاه وجود الأشخاص بيننا تتضاءل إن فكرنا في منطق النهاية التي تريحهم، لا التي تحرس وجودهم من وجهة نظرنا الخاصة..
لكنني فكرت في منحى آخر تماماً، ماذا لو كف الموت عن سرقة أحبائنا في سوريا فعلاً؟
أولئك الذين تليق بهم الحياة؟
المليئون بها، والكثيرون على تلك الأرض، من يباغتهم موت محتم بلا رأفة، وبلا نهاية منطقية، موت عابث يتحكم به قاتل واحد يردي الجميع تحت مظلته القاتمة، وتسانده بقتلهم كل أسلحة العالم ..
أتفهم شعور أن تمسك قلبك لأيام بينما تتنتظر نجاة أحدهم من الموت؟!
أتستطيع إدراك حجم الأسى الذي ينالك وأنت تترقب بعد كل مجزرة أسماء الضحايا خوفاً من اسم تعرفه ولو من بعيد؟!
نحن أنانيون اتجاه حياة من نحبهم فعلاً، لأننا نرى في حياتهم شريان حياتنا المفقود، بعد رحيل الكثيرين ممن عرفناهم أو تعرفنا عليهم في الثورة، نكتشف أن قلبنا الصغير الذي كان متسعاً ذات يوم أصبح أضيق من خرم إبرة، وكل ما يتسلل فيه هو وجع عظيم نتنهده بأسمائهم الكثيرة، في الحقيقة، ذاكرتي العشرينية لم تعد تسعفني فقد أصبحت مليئة بأسماء الشهداء والمفقودين..
قال لي صديقي يوماً أن المتعب في الحكاية هو أن تعرفي الشهداء، فالحزن عليهم أكبر، حاولت مراراً أن أشرح له، أن مسافة الأمان التي كانت بيني وبين كل الشهداء الذين بكيت عليهم لم تسعفني، ولم تخفف من ذلك الوجع ولا من حدته، كان الموت الذي يمر بهم، يمر بقلبي فينتزع روحي ويعيدها في الدقيقة ألف مرة، ويمر الوقت بي، لا أتخلص منهم ولا من الشق الذي يُفتح في روحي باسمهم، لا أستطيع توسعة قلبي حتى  بكل التبريرات المشابهة عن البعد..
لو انقطع الموت عنا، لبعض الوقت، واستطعنا ترتيب أسماء الشهداء من جديد، أولئك الذين نعرف تماماً أن حقهم علينا لم نؤده كاملاً، وتمكنا من الوقوف على رأس جرحانا ونحن نتأمل خيراً كثيراً بعودتهم إلينا لإكمال الدرب معاً، ولو تصدر الموت قائمة الوفيات الطبيعين، الطبيعي جداً، هل ستكون الحياة حينها تستحقنا لنمضي بدربنا الأخضر من جديد؟
أم أن اهتزاز الحزن والخيبة فينا سيودون بنا صرعى في هذه الحياة لا مكان لنا، لا رأفة تحيط بنا، لتبقى حياتنا في النهاية جزء من كل الأوجاع التي مررنا بها في الخمس سنين الماضية، وربما لعنة نجاتنا مثلاً، لنكتشف أن الموت يلاحقنا، يلاحقنا ليبتسم في وجوهنا ويخبرنا أنه لا نهاية ولا صاحب لنا إلاه .. وحده!

#جنونيات_بنفسجية

دمشق وظلها في الذاكرة ..

أشفقُ على من سرقته الغربة مبكراً ولم يعرف بلاده كما عرفتها أنا ..
أشفق على من لم يستيقظ يوماً ليعافر التعب في انتظار الميكرو الصباحي .. وعجقة النزق التي تجبر جميع المتأخرين للتململ … بينما يُقدمني أحد الموظفين عنه للركوب لأنني طالبة وحسابي علامات أما هو فيستطيع النفاذ بريشه متأخراً هذا اليوم ..
أشفق على من لم يعرف الصباح في الشام … هادئا .. عسيراً .. ممتلئاً ما بين صوت عبد الباسط عبد الصمد وفيروز تغني “حبيتك بالصيف حبيتك بالشتي” .. وكلاهما على مسافة موقف واحد بين باصي ‘جوبر زملكا عربين’ عند المخفر ..
أشفق فعلاً علي من لم تحتضنه سماءها وحيداً بينما كان يمارس عادة الهرب من محاضراته أو من مسؤولية ما .. ومن لم يلتقط عيون العاشقين في الشارع يحتالون على المارة ليتمكنوا من اللقاء بشكل ووقت أسرع .. من لم يمشي في الحارات التي تغرقها المجنونات والياسمين بتحدٍ بينهما حيث تجلس النساء الجميلات على شرفات منازلهن يشربن القهوة ويطالعن العابرين ليختلقن لهم الحكايا ..
أشفق على من لم يعرف الجمال الذي تبعثه دمشق في الروح .. ولا كم الأمان الذي تغرقك به كل ما احتضنتك .. أشفق على من لم يسمع صوت مظاهرة صادقة مؤمنة هناك .. ولم يبتل وجهه بالعرق والدمع والإيمان حينها … أشفق على من لم يسمع أذان جوامعها الدافئ والحنون .. ومن لا يميز أجراس كنائسها .. من لا يعرف بائع الذرة المشوية .. ولا صوت بائع الغاز المزعج الذي نشتاق له الآن .. ولا سيارة مي بقين التي تمر في كل حارات دمشق .. وضحكات الأطفال وهم يلحقون بها مقلدين صوت الرجل فيها بشقاوة ..
أشفق على من لم يعرف عتمتها الشاردة .. ولم يسمع في حاراتها القديمة ليلاً صوت الزهر على الطاولة وضحكات الرجال .. أشفق على من لم يجرب مرة أن يضيع فيها حتى يصل سالماً لمقصده فقط لأنها تعرفه كما يعرفها! ..
في الحقيقة .. أشفق على من عرفها أكثر .. من مشى فيها طويلاً .. ومن جرب البكاء في حاراتها الضيقة .. ومن رسم أمنياته على أبوابها .. فكل هذا بالنسبة له حمل ثقيل لا خلاص منه .. كل هذا هو وجع يخبئه في روحه حتى لا يمسه نسيان ما .. يحتفظ بكل الصور في ذاكرته كي لا يصحُ ذات غربة على فجوة مؤلمة في روحه تُسمي الشامَ نسيانا …
وهكذا ..
#جنونيات_بنفسجية ..
#دمشق ..

ظلال في منافينا الضيقة..

لا أؤمن بالصدفة .. فبعضها منك وكثيرها تفاصيل محتمة بالوجع .. الغيب لا يُعنى بحكاياتنا والفجر إن شاركنا إياها فهذا ليس إذعاناً برضاه .. وإن وجدت دعوتنا ذات يوم مكاناً في السماء فقد تسقط في أي لحظة كشهب .. بالمناسبة رأيت كثيراً منها في مساءات ماضية .. رأيت دعواتي تسقط وابتسمت لها .. لأن خيرها كان جميلاً على شكل شهاب مضيئة حتى النهاية .. لا خير في استجابة السماء إذن ..

الظلال .. كانت الشيء الوحيد الذي يجعلني أشعر دائماً أن ثمة شيء ما في هذه الحياة لن أستطيع لمسه ربما .. لكنه يخفي شيئاً عظيماً وراءه .. تأثرت بصاحب الظل الطويل في طفولتي .. كنت أحب جداً فكرة المراسلة الورقية .. ومن شخص مجهول .. شخص له ظل طويل جداً وبلا ملامح … أستطيع أن أقف على ظله متى شئت ربما .. بينما لا يمكنني احتضانه ولو لثانية..

تلك الظلال نفسها جعلت إيماني اتجاه الأشياء ضيقاً جداً .. فأنا لا أثق بالماورائيات .. لا كلام الآخرين عني ولي .. ولا صورهم البريئة .. لا وعودهم .. لا احتواءهم .. لا شيء بالمطلق ..الشيء الذي يجعلني أشعر دائماً بالخفة في العلاقات عكس تعلقي بالأشياء واتحاد ذاكرتي مع التفاصيل .. أستطيع التحرر من أي علاقة مؤذية متى قال عقلي هيا .. وقد فعلتها كثيراً ..

حينما أمسكت بيد صديقتي يوماً في المدرسة ودبكنا معاً كنت أعلم أن يدها هذه ستمد لأذيتي ذات يوم …. وحدث ..
عندما وضعت رأسي على كتف أخي وحدثته أنني أتنفس بصعوبة جداً وبادرني بالقول أنه سيكون أوكسجيني اللطيف والعرض مفتوح للأبد .. كنت أدرك أن رأسي سيهوي ذات وحدة في بلاد بعيدة عنه جداً وأن الأوكسجين هذا سيكون عبئاً من أسطوانات فارغة لا تعينني الغربة على استخدامها …
عندما ودعت صديقتي على الهاتف في دمشق رغم إمكانية رؤيتها خوفاً من انكسارة جديدة في القلب .. كنت أعرف أن هذا الهاتف سيلاحقني كلعنة لأنه نفسه سيحمل لي خبر وفاتها ذات ظهر بائس ..
وعندما حاولت ذات ليلة معتمة تصديق وعدك بأنك ستكون سمائي دائماً .. على الرغم من أني ابنتها التي تعرف تماماً أنها قد تصبح مظلمة ذات عاصفة وتمطرني بالبرَد وتؤذيني …  وها هي ذا فعلت!
هناك أوجاع كثيرة لن أنتهي إن تحدثت عنها ولن يتوقف نخزها في روحي كذلك ..كلها علمتني كيف أنساب برفق .. وكيف أمسك بوجع قلبي .. وأهدهده وحدي … علمتني كيف أجعل التفاصيل التي أحبها متسعة ليتمكن الجميع من رصدها معي .. حتى لا توجعني بعد فقد أحد ما ..

لذا غنيت “هالأسمر اللون” مع كل من عرفت … كي لا تذكرني وحدتي بسماء بيروت الماطرة مع أخي بينما كنا ندندنها معاً مبللين ضاحكين متسكعين ..    وكثيراً ما حدثت أصدقائي عن البنفسج ودمشق حتى لا أتذكر أن كل طريق تحدثنا عنه يوماً كان يبدأ منها ومن حاراتها ومجنوناتها وحجاراتها.. هناك حيث لا تنتهي حكاياتنا أبداً ..
أنا لا أعرف أن أكون ضيقة .. ولا أدرك اتساعي التام حتى ولكني أعرف أنني مع كل وقعة في هذا العالم أستطيع التماسك جيداً .. يُسعفني عقلي ويطاوعني قلبي .. لكن جسدي يمارس سطوته بإيلامي لبعض الوقت .. وقت طويل في الحقيقة لكنه لا يلبث أن يهدأ …
وأنا كما يقول طالعي الذي أعجبك ذات يوم .. حرة دائماً … لا يقيدني حزن .. ولا غربة .. ولا حب ..    أما الحقيقة فهنا في قلبي على شكل مساحة متسعة جداً .. كلما عدتُ لها أحصيتُ وجعي فيها .. كررته على روحي كل ليلة .. حتى لا تنسى أنها يوماً ما ولدت من هذا الوجع .. وصيرورتها هذه التي آلت إليها أصلها دمع كثيف وليل غريب وقهر ..

#جنونيات_بنفسجية